المتقاعدون.. يعايشون الواقع باحلام الماضي
ما الدور الذي يقوم به المتقاعدون بعد ان أمضوا سنوات كثيرة سطروا بها الانجازات والابداعات، وبعد تراكم هذه السنوات وطوال هذا الطريق الذي قطعوه قرروا او لم يقرروا، بل قرر غيرهم ايقافهم لتتوقف انجازاتهم رغما عنهم، المتقاعدون هم الفئة الاكثر ظلما اجتماعيا في المجتمع، فينظرون الى انفسهم بانهم فقدوا الدور الذي ربطهم في هذه الحياة، فالدور الذي يقوم به الانسان يشكل لديه الحافز المهم لبقائه يتنفس على هذه الارض، ولكن حين يفقد الانسان دوره بعدما كان القائد والمسيطر على باقي الادوار ليصبح المتفرج على ما يدور حوله من احداث، تقصت «الدستور» آراء المتقاعدين حول هذه التجربة التي يعيشونها ونظرة المتقاعدين لذاتهم والمحيط الذي يتفاعلون معه.
اهتمام الدولة
هشام حمزة البالغ من العمر 52 سنة يحدثنا عن تجربته في جلوسه في المنزل: في حقيقة الامر انني بدأت اعمل منذ الصغر فقد عملت منذ ان كان عمري ثماني عشرة سنة، اما الان فلقد صدمت كثيرا اثر جلوسي في المنزل، لقد اعتدت النشاط والعطاء وبالرغم من انني استقلت بمحض ارادتي، الا انني الان اطمح لايجاد عمل معين ابذل قصارى جهدي به، فلقد استقلت وانا بذروة نشاطي وطاقتي، واثناء جلوسي في المنزل ركزت على ان امضي الكثير من الوقت في المسجد، فمن الصعب ان يجد الفرد المعتاد على العمل منذ الصغر ان يجد نفسه بدون عمل محدد.
تعود
ويضيف هشام: «لقد اعتدت الاستيقاظ مبكرا والذهاب والعودة بوقت محدد فهذا النظام دام اكثرَ من ثلاثين سنة وانا معتاد على نفس المنوال، وكنت اتميز بالشغل الحافل والضغط المستمر، اما الان فان وقت الفراغ الذي املكه شكل لي التحدي الاكبر من اجل اشغاله بما هو مفيد وقيم، فاصبحت الان اقضي معظم اوقاتي مع العائلة والوقت الاخر للعبادة التي اصبحت الوسيلة الوحيدة والقيمة لتمضية الوقت، فانني اتفاعل مع الجيران في المسجد ونتناول مختلف المواضيع، فهذا الفراغ الذي امضيه يجب على الدولة ان تستغله فالمتقاعدون امثالي يحملون العديد من الخبرات ومن العبث ان نترك هذه الخبرات ان تذهب دون فائدة».
خبرات
فالدولة يجب ان تثمن هذه الخبرات وان تستثمرها ليكون لنا دور محدد نقوم به في هذا العمر؟، فالخبرات التي اكتسبناها في ظل التجارب التي عشناها من المهم ان ننقلها لفئات الشباب التي تحتاج الى التوجيه والرعاية، ففي الدول الاخرى يوجد ادوار كثيرة ومهمة يقوم بها المتقاعدون، فهل من حقنا ان نقوم بهذه الادوار ؟، فانا اطالب المسؤولين باقامة جهات معينة للاهتمام بالمتقاعدين وتوفير الجو المناسب لهم من خلال الاحزاب والجمعيات التي تناقش همومهم وتنشط ادوراهم، فنحن لنا كل الحق بالاستمرارية في العطاء كغيرنا من الفئات.
زوجي تغير
ام يزن تشكو من زوجها الذي تقاعد منذ خمس سنوات، قائلة: لقد اصبح ابو يزن يتدخل في كل صغيرة وكبيرة، فقد تغيرت شخصيته عن تلك الشخصية التي كانت قبل خمس سنوات، انني اشعر بالتوتر لوجوده في المنزل وخاصة في المطبخ الذي اصبح لا يفارقه ابدا وبالرغم من انني المسؤولة عن الطعام الا انه في الاوانة الاخيرة اصبح يفرض ذوقه وطريقته الغريبة لصنع الطعام، ابو يزن مختلف عن الرجال الاخرين بالرغم من انه يبلغ السابعة والستين الا ان المطبخ وصنع الطعام لديه لا يشكلان اي صعوبة.
ومن اكثر الامور التي تشعرني بالضيق بانه يشاهد برامج الطبخ وخاصة برامج التغذية وفي كل يوم يخرج لي بفكرة ونصيحة، فعلا مللت من النصائح فكل الرجال يشاهدون الاخبار وينامون من المشاهد التي يرونها الا زوجي يشاهد برامج الطبخ ويطبق في المطبخ، ومن هنا بدأت المشاكل تظهر بيننا اذ سينصدم ابنائي عندما يعودون من الخليج ليروا المشاكل المفتعلة التي يصنعها واصبحت شخصيته كالاطفال، اذ اننا اذا تناقشنا على امر من الامور لا يهدأ ابدا في تكرار المسألة، لقد صدمت حقا من سلوكه الغريب بالرغم من انني اعرف الكثير من العائلات التي يوجد بها متقاعدون، الا ان زوجي يتميز بالتوتر الدائم والعصبية والحمدلله.
أشعر بالاحباط
عائشة محمد: لقد تقاعدت منذ فترة وجيزة الا انني اشعر بتعاسة تلف كياني فراتبي قليل بالنسبة لمتطلبات الحياة غير انني اجلس في المنزل لساعات طويلة مع والدي، فطوال فترة عملي كمدرسة اعتدت الاختلاط بالطالبات والمعلمات اما الان فانني اشعر بان لا فائدة مني وانني وصلت لنهاية الحياة، فانا لم اتزوج ولا احد من صديقاتي يزورني الا بالمناسبات لانهن مشغولات في حياتهن الزوجية وعائلاتهن.
فجلوسي في المنزل بعدما اعتدت التفاعل مع الاخرين وقضاء معظم الوقت خارج المنزل اشعرني بان قيمتي متدنية وخلال جلوسي في المنزل اصبحت افكر بامور لم افكر بها في تلك الفترة اثناء عملي، اصبحت افكر لماذا لم اتزوج لماذا انا مختلفة عن اخواتي واخواني فعندما يزوروننا اصبحت اجلس لوحدي حتى لا اراهم وارى الحقيقة الموجعة التي اعيشها فالشيب غطى رأسي وانني افتقد حقا الى الاطفال فعاطفة الامومة اصبحت تسيطر علي تماما، انني اكره الجلوس في المنزل واتمنى ان تنتهي هذه الحياة باسرع وقت ممكن.
سعيد جدا
بدوره ابو العبد، يختلف عن زملائه السابقين، ويقول: انني سعيد حقا في جلوسي داخل المنزل، فلقد صنعت ما اريده في هذه الحياة ولا افكر الا بالراحة واحتضان احفادي من حولي، فالهم الوحيد الذي يشغلني هو توفير السعادة الدائمة لابنائي واحفادي، فانا عندي خمسة وعشرون حفيد وابنائي لا يهملونني ابدا، ومنذ بداية تقاعدي حرصت ان لا اتقوقع كما يتقوقع الباقون من اصدقائي، وباستمرار ازور اصدقائي واخواتي وكل افراد عائلتي ونخرج للرحلات، فانا سعيد بهذه الراحة التي وفرت لي في ظل هذه العائلة التي اسعد بها حقا.
توتر وضيق
اما الدكتور خالد المغربي استشاري الطب النفسي يبين لنا المخاطر النفسية التي يشعر بها المتقاعدون، ويقول: يعتبر التقاعد من العمل مرحلة هامة لا بد من المرور بها في نهاية المطاف لكل من امضى اكثر سنوات عمره في العمل والاجتهاد، ويؤثر التقاعد غالبا على الشخص سواء اكان ذكرا ام انثى، ويتطلب التقاعد تخطيطا مسبقا واعدادا نفسيا، واحيانا يكون للتقاعد عن العمل وقع مدمر على نمط تكيف الاسرة ليصل الى ملامسة الاعراض النفسية المختلفة.
فالاشخاص الذين يحبون عملهم جدا او المدمنون عليه يلتصق بهم عادة شعور بالذنب التصاقا شديدا، اذا لم يمارسوا اعمالهم وبالتالي فهم يمارسون اعمالهم بدوافع تقترب من الوسواسية، فتقاعد هؤلاء يعني فقدان القيمة وهذا يقلب موازين التكيف السابقة ويدخلهم في دوامة من القلق والتوتر والارتباك وعدم القدرة على استغلال الوقت بشكل عقلاني، وفقدانهم رغبة التمتع بمباهج الحياة وربما تصل الامور الى العصبية الشديدة والاهتياج مع اضطراب في النوم، فالتقاعد يؤئر على استقرار الاسرة نتيجة فقدان مصدر الدخل ما يؤدي الى خلل في نمط التكيف الاسرة ومعيشتها، وتتحكم عوامل عدة في التقاعد: درجة رضا الشخص عن عمله طيلة سنوات العمل ورضاه عن عطائه وانتاجيته وبالتالي تتحدد نظرته للتقاع
ا
אין תגובות:
הוסף רשומת תגובה